الأطفال زينةُ الحياة

إن كنت تبحث عن القلوب البيضاء ، عن الصفاء والنقاء ، عن عالمٍ لا يعرف الأحقاد ، عالمٌ يحنُ إليه بعض الكبار ، عالم مليء بالمحبة والوئام .

لو شعرت أن صدرك ضاق ، واشتقت أن تنعم بلحظةٍ ، تنسى معها الهموم والأحزان ، فاتَجه فوراً إلى الأطفال ، ، استمع إليهم ،اجلس و العب معهم ، ستجد أنَ البراءة تنطق من وجوههم ، والحب يملئ قلوبهم لكن وســـــــــــــأقف طويــــــــــلاً : هذه البراءة قد تغتال ، ومن أقرب النَاس إلى ذلك الطفل ، وهما والديه ، فالأمُ على سبيل المثال تتوعد طفلها دائماً وتقول له : ( ياويلك إذا لعبت مع ولد عمِك ، أو نزلت فسلَمت على جدتك ) أو ( إذا ضربك ولد خالتك فاضربه بقوَة ) أو ( إذا جاء ولد عمَتك فلا تجعله يلعب بألعابك ) أو ( خذ هذه الحلوى فوزعها على أصدقائك إلا فلان لا تعطيه لأنه ضربك ) و في بعض الأسر الكبيرة ، يحرص الأب  ،على جمع أولاده المتزوجين ، سواء معه في البيت ، أو بجوار منزله  ، بحيث لا يفصلهم شيء ، وقد يكون هذا التجمُع وبالاً على بعضهم ، والسبب احتكاك الأطفال بعضهم ببعض ، وكم سمعنا من المشاكل التي كان سببها عراكٌ بين طفلين ، حتى أنَها قد تصل إلى قطيعة الرَحم  وهذا كله يرجع  إلى أم وأب  ،  لا يتعلم الطفل منهما، سوى الأوامر فينشأ على العدوانية ،  و الأنانية ، والكذب . حتى أنني أعرف من الأسر، التي لا يعرف الصغير ، خاله من عمِه ، ولا عمَته من خالته ، تجد الأب عندما يكتضُ مجلسه يشير إلى ابنه : سلَم على عمِك ، والطفل حائرُ لا يعرف من هو من بين تلك الجموع .

نداءٌ حائر إلى آباء المستقبل : لا تقتلوا براءة أطفالكم  ،ولا تقحموهم في مشاكلكم ، ولا تحمِلوهم فوق طاقتهم ، وأحسنوا تربيتهم فهم البذرة التي ستحصدون ثمارها غداً .

المراهقة

إن المراهقة في نظر علم النفس الحديث مرحلة نمو طبيعي ، وإن المراهق لا يتعرض لأزمة من أزمات النمو ، طالما سار هذا النمو في مجراه الطبيعي وفقاً لإتجاهات المراهق الإنفعالية والإجتماعية

إن مرحلة النمو السريع والتغيرات المتلاحقة والرغبة في الإستقلال عن الوالدين ومايصاحبها  من تغيرات جسمية ونفسية وما يتبعها من نمو في الغرائز والمؤشرات الجنسية والنضج تجعل المراهق محتاراً وضعيفاً لكيفية التعامل مع كل التغيرات السريعة التي طرأت على جميع شؤون حياته وجسمه ، ومن هنا نجد أن المراهق عنيف ومضطرب ومتوتر ولا يدري كيف يتصرف مع عالمه الجديد بالصورة المقبولة بعيداً عن والديه الذي كان يعتمد عليهم في تصريف شؤون حياته إن المنزل الصالح  يتعرف على حاجة المراهق إلى الإستقلال وصراعاته من أجل التحرر، ثم يساعده ويشجعه بقدر الإمكان ، ويتيح له الفرص والوسائل للإتجاه نحو مركز أكثر استقلالاً ، كما يشجعه على نحمل المسئوليات واتخاذ القرارات والنخطيط للمستقبل . وهذا الفهم لمركز المراهق لا يأتي دفعة واحدة ، ولكنه محصول سنوات من الإستقلال التدريجي المتزايد ، وإبراز الذات . والأسرة هي التي ترسم الخطط لمراهقها ليتعلم الإعتماد على النفس في سن مبكرة ، وإتها بذلك تعمل أقصى مافي وسعها لتأكيد نضج الفرد . إن هذا النوع من التوجيه ، يجب ألا يكون أمراً عرضياً ولكن يجب أن يأتي نتيجة لتفكير واع من الآباء . فالآباء يجب أن يسألوا أنفسهم على الدوام ، متى نستطيع أن نسمح لولدنا المراهق أن يفعل هذا أو ذاك وماهي الفرص التي نسمح له بها ليمارس إستقلاله ويكتسب الخبرات التي تظهر نضجه وتبرز ذاته .

إن أحسن سياسة تتبع مع المراهق هي سياسة احترام رغبته في التحرر والإستقلال دون إهمال رعايته وتوجيهه . إن مثل هذه السياسة ستؤدي ، من جهة إلى خلق جو من الثقة بين الآباء وأبنائهم ، كما ستؤدي من جهة أخرى ،إلى وضع خطة واضحة نحو تكيف سليم ، يساعد المراهق على النمو والنضج والإتزان .


نصائح عامة تساعدك على فهم المراهق :


1/  على الرغم من أن المراهقين يبدون وكأنهم لا ينصتون لما يقوله آباؤهم ، إلا أنهم يعترفون بأنهم ينصتون باهتمام ويودون أن يستمرآباؤهم

في إلقاء المحاضرات عليهم حول ماهو خاطئ أوصواب .لأنهم يعنرفون أن كلمات آبائهم تقفز إلى أذهانهم في اللحظات الحاسمة لتمنعهم من ارتكاب أي شيء خاطئ أو تلهمهم أداء الصواب

فتخيل ماقد يحدث لو أن الوالدين أصيبوا باليأس ، وتوقفوا عن الحديث إلى أبناءهم

المراهقين ! في هذه الحالة من الممكن ألا يجدوا صوتاً في مخيلتهم يستطيعون كبح جماح أنفسهم به .

2/ إذا حدث وتسببت في نفور ابنك المراهق منك ، فلا تقلق فالمراهقون يتمتعون بمرونة شديدة وسيعطونك مئات الفرص الأخرى للإنصات ، وللوقوف إلى جانبهم حتى ولو أقسموا أمام أنفسهم على ألا يضعوا ثقتك بهم مرة أخرى .

3/ إذا أردت أن يتحدث إليك أبناؤك المراهقون فعليك بالهدوء ولا تدنهم وتصرف كصديق فهم يودون التحدث مع والديهم لكن يخشون أن يقوم الآباء بتعنيفهم وإدانتهم .

4/عندما يقلق المراهقون يبحثون عمن يستمع إليهم بآذان صاغية ، لأن معظمهم يريد الإحساس بالإطمئنان .


5/ حاول أن تدعم ثقة مراهقيك وتقديرهم لأنفسهم بالثناء عليهم وذكر نقاط قواهم .

فإن أبناءك المراهقين سيقدرون هذه الكلمات وسيخفونها في قلوبهم وسيتذكرونها للأبد .

كما أن المراهق يشعر بالسعادة عندما يعرض عليهم آبائهم مشاكل العائلة ويناقشونهم فيما يؤرقهم .

كما أنها تعتبر خطوة إيجابية تعبر عن تقديرك للأشياء التي يفعلها ابنك المراهق .


6/ لاتأخذ تحدي أبناءك المراهقين لك على محمل شخصي فالمراهقون لا يفكرون قائلين : ( لن أحترم والدي أو والدتي وسأقوم بفعل كذا )  إنهم يتحدونكم معظم الوقت ، لأنهم برغبون في القيام بفعل ما يريدون ، معتقدين بأنه لا ضير من ذلك ، ولم يفكروا بذات اللحظة بأنهم قاموا بأمر غير مكترثين لعواقبه .


7/ عندما تتشاجر مع ابنك المراهق قد تعتقد أن ذلك لم يؤثر فيه بتاتاً ، وذلك لأنه يرتدي قناعاً وقائياً من اللامبالاة  ويقف أمامك جامداً ،إلا أنه من الممكن أن يكون ذلك قد تسبب في إيذاء مشاعره وجعله يشعر بالوحدة والحزن أو حتى التحطم المعنوي .

وهو قد لا يخبرك بتلك المشاعر والتأذي النفسي الذي حدث له بعد المشادة بينكما لأنه يخشى أن يفتح على نفسه باب المشاكل مرة ثانية .

ومع ذلك لامانع من الإعتذار له ولو كان مخطئاً ومعانقته حتى لو قام بدفعك بعيداً

عنه .

لأنك بذلك ترأب الصدع الذي حدث بينكما ، و تخلق علاقة قوية دائمة لأنه سيكون استعاد حبك الذي يحتاج إليه بشدة


8/ عندما يحاول ابنك المراهق إخبارك بشيء ما حدث له ( لها ) في حياته ، فلا تحاول مقاطعته بالتعنيف والتوبيخ . وذلك بغض النظر عن مدى ميلك للقيام بهذا. أنصت باهتمام ، وأعطهم الدعم المعنوي اللازم ، وبعد ذلك قم بإلقاء موعظتك عليهم بعد مرور يوم أو اثنين.


9/ إذا كنت تعتقد بأن مراهقيك يبدون بصورة بشعة بسبب طريقتهم في ارتداء الملابس أو تصفيفهم لشعرهم ، فيجب أن تدرك أن المراهقين يغيرون من أنفسهم بأنفسهم وفي نهاية الأمر ثق أنهم سيبدون متحضرين وإن كنت غير واثق فألق نظرة على صورك القديمة كيف كنت تبدو عندما كنت مراهقاً .

كما أنهم  بطريقة اللبس وتصفيف الشعر يحاولون إثبات أنهم أشخاص مميزون و مسايرون للموضة .

كما أنهم يحاولون تغيير طريقة ارتداء الملابس، وتصفيف الشعر ، واستعمال أدوات الزينة

لوالديهم حتى لا يظهروا بمظهر غير لائق .


10/ إذا كانت بناتك المراهقات يحاولن التسلل خلسة من وراء ظهرك لإستخدام مساحيق التجميل التي سبق أن منعتهن من وضعها ، فلا تضخم الأمر . فمن الأفضل في بعض الأحيان أن تغمض عينك عن بعض الأمور الصغيرة . فالمراهقون يحتاجون إلى أن يظهروا تمردهم قليلاً . حاول أن توفر تعليقاتك القاسية من أجل الأمور العظام .

وتيقن أن المراهقين لن يكفوا عن مضايقة آبائهم ولكن المهم هو أن تتمسك برباطة الجأش وأن تدرك أن هذا الموقف سيمر كغيره .



من أذهب طعم العيد ?

ليت العيد يرجع كسالف عهده ، حيث البساطة في كلِ شيء .

فالإجتماع يكون بمنزل كبير العائلة كجد أو عم أو خال ، ويأتي الأقارب ويعايدون بعضهم ، بعد صلاة العيد مباشرة ،

لايتخلف منهم أحد ، حتى من كان في منطقة أخرى ، يأتي ويحرص على الحضور .                                                                والنساء يرتدين الجديد المحتشم ، ويصبغن بالحناء أيديهن ، ويعددن طعام العيد ، وكل بيت يخرج بطعامه ، فيلتم الكبير والصغير ، الغني والفقير ، الكل فرح بالعيد  ،حتى الأطفال يفرحون  بالحلوى ، وببعض الريالات ، التي  كان يجود بها من كان

موسراً  في ذلك الوقت .

أما الآن والله المستعان ، فالعيد أصبح ضرباً من الرسمية ، فالكلُ يدفع ثمناً معيناً ، حتى تستأجر استراحة ،

أو صالة يجتمعون فيها للعيد ، وبعد صلاة الظهر يجتمع الأقارب ، وعند البعض  بعد  صلاة العشاء  .

فيتخلف الكثيرون فهذا نائم ، وآخر بالكاد يوصل زوجته   إلى أهلها .

أما الأطفال فيذهب الصباح وهم نائمون ، ولايشعرون بالعيد   إلا بأصوات المفرقعات  ، فالبعض لايحرص على أخذ أبناءه

معه  لصلاة العيد ، لكن يحرص على مشاهدته للألعاب النارية    ليلاً  .

أما الحلوى فقد أصبحت مجال تنافس ، وقد لاحظتها بنفسي ، فالكل يشتري بأغلى الأثمان  ،حتى أنَ سعر علب هدايا العيد   وهي فارغة ،  تختلف عن سعر الشوكلاته ، وبعد هذا كله تمتلئ بها الأماكن  ،لأن كثرتها سببت للطفل تشبعاً ، ولقد لفت نظري علبة شوكلاته في مكان لبيع الحلويات الراقية ب5000 آلاف وأحدها ب2000 . ماكل هذا ( إنه الترف الذي نعيشه ) والعياذ بالله .

أما النساء ولباسهن في العيد هذه الأيام ، فحدث ولاحرج .

أهذا هو شكر النعمة بإكمال العدَة  ؟ (وأستثني من كلامي من حباها الله  الستر ) لم يصبح لبس الجديد هو الهم ، بل أصبح لبس  العاري ،والشفاف  والقصير الذي لايستر ، والبنطال الضيق هو الأهم . استغفرك يآالله أين ذهبت عقولهن ، أين القوامة ( بكسر القاف ) من الرجل الذي أصبح لاينكر على أهله في أمر اللِباس .  أناشدكم : من أذهب طعم العيد ؟ من أفسد صفو العيد ؟     نحن وبأيدينا .

ممنوع إصطحاب العجائز

في المناسباتِ التي تكثر فيها رقاعُ الدعوةِ هذه الأيام  تجِدُ عجباً

ليس في الحفلةِ ذاتِها وإنِما بين سطورِ تلكَ البِطَاقة .

وكنتُ قرأتُ مقالاً عنْوَنَه صاحِبُهُ ب : ممنوع اصطحاب العجائز .

في طريقَةٍ مُتَمَدِنَةٍ لمنع حُضُورِ هذِهِ الثُلة التي أعتَبرُها هي مِلحُ كلِ

اجتِمَاعٍ ولمَة .

وكأني به يُوري بهذه المُلاحظة ويريد لفت الإنتباه  .

ناهيْكَ عن منْعِ اصطحَابِ الأطفَالِ الذِينَ حُرِمُوا الفَرَحَ في ليالٍ

كهذِه  ، وفي ترْكِهمْ في المَنزِلِ من الخَطَرِ مالله بِهِ عليم .

رُغْمِ التَكَلُفِ في كُلِ شيءٍ والمظاهرِ البرَاقة التي تكتنفُكَ في هذه

الأجواء ، إلا أنَها لا تُساوي من وجْهَةِ نظري لحظة تشعُرُ أنت ومن معك  فيها بالسعادة  .

ألْحَظُ أن البَرَكة والفرحَة تضمَحِل في تلك الأفراح وإن أبهرتكَ

الخِدمة الفُندُقية .

لكن هذا كُلُهُ قد يهُونُ عندما تحْضُرُ حفلَةً للفتيات فقط وأرى أنها

انتشرتْ في الفترة الأخيرة .

سواءَ كانت حفلَةَ نجَاحٍ أو غيرها وهذا فيه بابُ شرٍ كبير قد يحصُلُ

فيه مِنَ المُنكراتِ الشيءُ الكثير .

وقد يتجنب البعض حضُورَ المُنَاسَبات العائلية رُغمَ دعوَتِه وهذا مُخالِف لِسُنة محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏”‏ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ ‏”‏ ‏.‏ قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ‏”‏ إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ ‏”‏ ‏.‏

حتى وإن حضَرَ الأب والأم لا يُحضِرُونَ أبنَاءهم وهذا خطأَ

لأنهم بذلك ينشأون على قطيعة الرحم من حيث لا يعلمُون .

حتى أنك قد تحزن عندما يتقابل أبناء العم أو الخال لا يعرف بعضهم البعض وهذا مُشاهد .

وأعتبُ كثيراً على الفتيات اللاتي لايحضرن مُناسباتٍ كهذه

فيها يتعارفُ الجميع ويُخطبُ منهن الكثير لكنهن فضلن البيت

على صلة الرحم  حتى  إذا مضى الزمن تمنين أن أحداً

ما أرشدهن  فالأمُ غالباً لاتشُدُ على بناتها في مواطنٍ كهذه .

وبعدُ أيُها القراء الكرام من إخوة وأخوات هذه هي مُناسباتنا

تحكي أفراحنا فاجعلوها لَحَظَات سعيدة تمُر بنا كلما تذكرناها .


قصر الألماس أم بيت الطين ؟

يوم أن كانت رائحة الطين العبقة تحتضن الذكريات الجميلة

لمساكن ضيقة جداً لا مكان فيها للخصوصية  ولا للرفاهية .

كانت القلوب صافية نقيةً تتحمل من شظف العيش الكثير

وتغدق الطيبة للقريب والبعيد بلا استثناء .

كانت القرية بأكملها أسرةً مترابطة ، والأسرة المُكونة من خمسة   أو ستة عوائل إخواناً متكاتفين لا يفرقهم شيء ،

كسب الرزق قد يُبعدُهم عن ذويهم ،  لكن لا يؤخرهم عن الواجب أو فعل المعروف .

قلة ذات اليد والعطش والجوع لم يشتت شملهم أبداً أو يبعثرهم

كما الرمال في الصحراء أبداً بل جعل أياديهم متكاتفة فظهر أحدهم

سندٌ لأخيه ومايشغل فكر أحدهم لاينام لأجله محبيه.

الأب رب الأسرة وقبطان السفينة ،  له هيبته واحترامه ، يسعد أبناءه ببره  ،   عطوفاً رحيماً بهم ، يتحمل الصعاب لأجلهم ،

ينتظر اللحظة التي يكبر فيها الأولاد  فيصبحوا رجالاً يعتمد عليهم ، و يربيهم على الدين والأخلاق ،

والصلة والآداب  ،هم كظله وتحت نظره .

أما الأم  فالصدر الحنون التي يلجأ إليها الكبير قبل الصغير ، توجه

وتُعلم وتكدح في عملها مع زوجها في الحقول ، ومع ذلك لا تكل ولاتمل ،  تصلح الطعام ، وتغسل الثياب ،

وتكنس وتنظف البيت ، هذه مسؤليتها تؤديها على أكمل وجه مبتغية الأجر من الله .

لاتخرج إلا لحاجة ، ولا تثقل كاهل زوجها بالطلبات .

راحتها حين ترى زوجها و أولادها يرفلون بالصحة والعافية .

شاكرة ذاكرة لربها ، ومنها تستق البنيات الكلام ، وطيب الخصال ,والعفاف والستر والحياء .

لا يكاد يُسمع صوتهن لدى الرجال الأجانب ، وإن خرجن شددن عليهن الثياب حتى لا يتكشفن .

بارات بوالدتهن ، يفضفضن لها عن كل شيء حتى لايبقى في النفوس إلا الصفاء والنقاء .

في البيت الواحد قد يجتمع جد وجدة ، وأعمام وعمات ، ولاضير في ذلك  .

هم كخلية نحل في الجد والعمل ونبذ الكسل .

القلوب في ذاك الزمان لم تعتريها الأمراض بعد ، ولم يتسلط عليها

الشيطان ، القلوب لم يُنكت فيها نُكتاً سوداء ، بل كانت بصفاء النية

كقطعة كُرسف بيضاء .


بيوت الطين


والرحى


والزير


وخوصُ النخلِ يُصنعُ منها الحصِير .


وثوبٌ مرقعٌ يُلبس في الصيفِ وفي الربيع


هذه حالتهم بُسطاء يكدحون الليل والنهار لأجل لقمة العيش .

متوكلين على الله ، متقربين إليه بالطاعات ، كلما جن الظلام

فزعوا بين يديه ، سائلينه أن يغفر لهم خطاياهم ، ويصلح ذرياتهم .

آهةٌ حرى خرجت من جوفي ، وأنا أتأمل الجدران المتشققة ، والسقف

المتهالك ، وبقايا نافذةٍ لم يبق منها سوى سياجها الحديدي المتين وكأنه

يتحدى الزمن .

ماذا لو كنا نسكُنُ هذا البيت سؤالٌ قفز إلى ذهني مباشرة وبدون استئذان .

هل سيكفينا المكان  ؟

بالطبع لا .

لكني لازلت أذكر كلام جدتي فهي تقول الوسع في القلوب لا في الدور صدقت والله .

وإلا كيف تحمل هذا البيت جدي وجدتي ، وخالاتي وأخوالي .

هاهو صوت السيارة لابد أنه أخي ، يبدوا منزعجاً فقد تأخرتُ عليه

بضع ثوان ، وهو جالسٌ في سيارته المكيفة التي اشتراها مؤخراً .

تمتمت في نفسي : إذن كيف سيكون حالُك لو ركبت الإبل ، وأمضيت شهراً تقطع المفاوز والقفارفي لهيب الهواجر .

انتبه إلي وعلامات التعجب تلوح في ذهنه .

عُدنا والعودُ أحمد .

الواجهة الرخامية التي تزين القصر وتنعكس عليها الشمس تظهره كقطعة ألماس نادرة الوجود .

كل من يمر من هنا يبتسم ظناً منه أن من بداخل هذا المنزل سعداء

لفرط غناهم .

نزلت من السيارة بتأفف والخادمة عبثاً تحاول أخذ عباءتي مع موجز النشرة المعتادة وبلكنتها :

ما ما في برا

بابا في شوغل

أ……

كفاك هيا اذهبي

جلست على الأريكة والنوافذ الزجاجية  التي تكشف نصف البيت  تشد بصري إلى الحديقة .

بينما يبدو صمتي ذو صدى لإتساع المكان وخلوه إلا من بعض التحف التي انتقيت بعناية .

لقد تساويت مع هذه الجمادات فنحن نجلس في مكان واحد ولا أكاد أنبس وإياها ولا ببنت شفة .

نحن في هذا القصر لا نجتمع عفواً لا نتقابل إلا بمحض الصدف .

أبي مشغولٌ دائماً ، وأمي لا تكاد تجلس في البيت ، وإخوتي مع أصدقائهم ولا يرجعون قبل منتصف الليل .

وأخواتي ……!

طرقٌ على الباب  ….

– من ؟

آه إنها الخادمة تسألني عن ما إذا كنت أريد طعام العشاء .

ليس لي رغبةٌ في شيء .

هنا كلُ شيء يُدار بالريمُوت كنترول حتى ننعم بالرخاء .

سبع خادمات إضافة إلى طباخة وسائقين .

صديقاتي يحسدنني على النعمة ودائماً ما يتمنين أن يعشن

ملكات على حد قولهن .

لكن وبكل صراحة أنا من يحسدهن على حياتهن يكفي أنهم

أسر مترابطة صحيح أن أغلبهن يعانين الفاقة لكنهن بالتأكيد

أسعد مني .

إنهن يجدن من يتكلمن معه ، ويمنحهن الحب والحنان

يجدن من يوجههن إذا أخطأت إحداهن .

رأسي يكاد ينفجر قصر الألماس أم بيت الطين

لا مجال للمقارنة

أردت عبثاً النوم بعد أن أطفأت النور إلا من شمعة عطرية تحرس معي

طوال الليل .

أمسكت بقلمي ومحيرتي وكتبت :


أبي


أمي


إخوتي


وأخواتي


أنتم مدعون غدا ًلتناول وجبة الغداء في قصرنا الفخم


وتحديداً في حجرة الطعام


فمنذ العيد الماضي لم نجتمع


التوقيع   :  ابنتكم المحرومة  من حنانكم  .