قال ابن الجوزي في صيد الخاطر :
كان لنا أصدقاء وإخوان أعتد بهم ، فرأيتُ منهم من الجفاء وترك
شروط الصداقة والأخوة عجائب فأخذت أعتب ، ثم انتبهت لنفسي
فقلت :وما ينفع العتاب ، فإنهم إن صلحوا فللعتاب لا للصفا فهممت
بمقاطعتهم ، ثم تفكرت فرأيت الناس بين معارف وأصدقاء في
الظاهروإخوة مباطنين ، فقلت : لا تصلح مقاطعتهم ، إنما ينبغي أن تنقلهم من ديوان الأخوة إلى ديوان الصداقة
الظاهرة ، فإن لم يصلحوا لها نقلتهم إلى جملة المعارف ، وعاملتهم معاملة المعارف
، ومن الغلط أن تعاتبهم ، فقد قال يحي بن معاذ :بئس الأخ أخٌ
تحتاج أن تقول له اذكرني في دعائك .
وجمهور الناس اليوم معارف ويندر فيهم صديق في الظاهر أما الأخوة والمصافاة فذاك شيء نسخ فلا يطمع فيه .
وما أرى الإنسان يصفو له أخوة من النسب ولا ولده ولا زوجته ، فدع الطمع في الصفا ، وخذ عن الكل جانباً ،
وعاملهم معاملة الغرباء .
وإياك أن تنخدع بمن يظهر لك الود ، فإنه مع الزمان يبين لك الحال فيما أظهره وربما أظهر لك ذلك لسبب يناله منك
، وقد قال الفضيل بن عياض : ( إذا أردت أن تصادق صديقاً فأغضبه فإن رأيته كما ينبغي فصادقه ) .
وهذا اليوم مخاطرة ، لأنك إذا أغضبت أحداً صار عدواً في الحال . والسبب في نسخ حكم
لصفا ، إن السلف كانت همتهم الآخرة وحدها فصفت نياتهم في الأخوة والمخالطة فكانت ديناً
لا دنيا . والآن فقد استولى حب الدنيا على القلوب ، فإن رأيت متملقاً في باب الدين فاخبر
تقله . (1 )
من كتاب صيد الخاطر للإمام ابن الجوزي ص 326- 327
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 ) ( أي اختبره تبغضه . من القلى الذي هو البغض . وهو مثل من أمثال العرب )