كنت دائماً أتساءل هل ممكن أن يعين المسلم ذو النفس الطيبة أخاه ؟
أعني لو كنت أتحدث مع صديقة حميمة وأخبرتُها يشيءٍ حصل لي كخبرٍ مُفرح
بنجاح بتفوق ، أو حصولي على وظيفةٍ مرموقة ، أوشراء بعض الكماليات النفيسة
أو … أو …
ووجدت ما قضى على حيرتي في كلام الشيخ : عبدالله بن محمد السدحان
– حفظه الله – حيث قسم العائن إلى قسمين :
أولاً : فهناك العائن ذو النفس الخبيثة التي لاتؤمن بقضاء الله وقدره ، ولديها ضعف
في الإيمان ، ولايرضيها إلا تمني زوال النعمة عن الغير ، فيطلق الوصف بدون ذكر
الله ولا تبريك ، فتتلقفها الأرواح الشيطانية الحاضرة التي تتمنى أذى المسلم وتكون
حينئذ – إذا أراد الله ولم يكن ثمة تحصين – مهلكة ، وهذه هي التي قال عنها رسول
: ( العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر ) . وهذا الحسد هو حسد اليهود ومن على
شاكلتهم . ( عياذاً بالله من ذلك ) .
ثانياً : وهناك عائن ذو نفس طيبة ولكن في غمرة التنافس يطلق الوصف دون ذكر
الله ، فتتلقفه الشياطين الحاضرة ، فتعمد إلى إيذاء المعيون بالضيقة والخوف
وتعطيله وإيذائه في جسده . وتكون حينئذ مزعجة وعلاجه سهل بإذن الله ، ومثال هذا
القسم هو ماورد في الصحيح في حديث عامر بن ربيعة وسهل بن حنيف ، وسوف
نسوق الحديث بطوله .
وليُعلم أن كل إنسان – أي إنسان – يستطيع أن يضر أخاه بإذن الله بشرطٍ واحد وهو
: أن يطلق عليه وصفاً بدون أن يذكر الله .وهذا العمل محرم لأنه من سم اللسان
المنهي عنه . يقول ابن حجر : ( إنَ العين تكون مع الإعجاب ولوبغير حسد ولو من
الرجل المحب ومن الرجل الصالح ، وإنَ الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى
الدعاء للذي يعجبه بالبركه ، فيكون ذلك رقية منه ) .
أما حديث عامر بن ربيعة وسهل بن حنيف فعن أبي أمامة ين سهل بن حنيف قال: (
اغتسل أبي سهل بن حنيف بالخرَار – وادي في المدينة – فنزع جُبةً كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر إليه
، وكان سهل شديد البياض حسن الجلد ، فقال عامر : مارأيت كاليوم ولاجلد مخبأة
عذراء فوعكَ سهل مكانه واشتدَ وعكه ، فأخبرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم
بوعكه فقِيل له : مايرفع رأسه ، فقال تتهمون له أحداً ؟ قالوا : عامر بن ربيعة ، فدعاه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ عليه فقال : ( علام يقتل أحدكم أخاه ؟ ألا
برَكت ؟ اغتسل له ) . فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه
وداخلة إِزاره في قدح ثم صُبَ عليه من ورائه فبرأ سهل من ساعته .
وفي رواية ( قال – أي عامر بن ربيعة – فنظرت إليه أي إلى سهل – فأصبته بعيني
فسمعت له قرقعة في الماء فأتيته وناديته فلم يجبني فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم
فأخبرته فجاء يمشي فخاض الماء حتى كأني أنظر إلى بياض ساقيه فضرب صدره
ثم قال : ( اللهم أذهب عنه حرَها وبردها ووصبها ) فقام ! فقال النبي صلى الله عليه
وسلم : ( إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه ما يحب فليبرَك فإن العين حق ).
وفي رواية الترمذي في كيفية الإغتسال للعائن : ( يؤمر الرجل العائن بقدح فيدخل
كفه في فيه فيتمضمض ثم يمجه في القدح ) .
ويقول ابن القيم في زاد المعاد : ( إنَ المغابن والأطراف وداخلة الإزار هذه
المواضع للأرواح الشيطانية بها اختصاص ) . وروى الترمذي بسندٍ حسن
: ( أنَ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجان ومن عين الإنسان ).
من فوائد هذا الحديث
الأولى : لما توصَف عامرٌ سهلاً ولم يذكر الله ولم يبرِك انطلقَ شيطان من عامر
معجباً يهذا الوصف وأوقع الأذى بسهل ، فانطلق الصحابة إلى النبي صلى الله عليه
وسلم وأخبروه ، فأول سؤال طرحه عليهم : ( هل تتهمون له أحداً ) . ويندرج تحت
هذا السؤال مجموعة أسئلة : تطرح على المريض :
س1 : هل تتهم أَحداً معيناً توصفك بوصف ؟
س2 : هل أخبرك واحدٌ من الناس عمن قال فيك وصفاً ؟
س3 : هل ترى في المنام أَحداً من الناس يؤذيك بإستمرار؟
س4 : هل ترى في المنام حيوانات : كالكلاب والإبل والقطط والقردة والثعابين
والعقارب والفئران والخنافس تهاجمك ؟
فإن كان الجواب بنعم ، فالأسئلة الأُولى يؤخذ من الشخص المتوصف من ريقه أو
عرقه ، ويتسبب منه بأن يكب على الرأس من فوق كبة واحدة ويُشرب منه إِن كانت
العين أصابت داخل البطن .
أما السؤال الرابع فإن كان الجواب بنعم ، فيستأنس بحديث عن النبي صلى الله عليه
وسلم : ( للرؤيا كُنى وأسماء فكنوها واعتبروها بأسماءها ) .
فنسأل هذا المريض ماذا يعني لك هذا الحيوان من أَقاربك وزملائك وجيرانك، أو أين
ترى موقع ذلك الحيوان ؟ فيقع في خاطره مجموعة أشخاص فيتسبب منهم ، لأنَ
الإنسان إذا كان ذاكرا لله عز وجل باستمرار فهو يؤذي ذلك الشيطان الذي جاء عن
طريق وصف ويؤذيه بهذا الذكر، فيتراءى له في المنام الشخص العائن أو الحيوان
الدال على العائن حتى يتخلص مما هو فيه ، وكأنه يقول : هذا هو العائن فتسبب منه
وخلصني من هذا العذاب ؛ لأنَ النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إِ ن أحَدكم
لينصي – وفي رواية – ليضني – شيطانه كما ينصي أحدكم بعيره في السفر ) .
أي من كثرة الذكر .
الثانية :أنَ التبريك على الوصف وذكر اسم الله يمنع وصول الجان إلى المعيون
ويحصنهُ ، فقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ألا بركت ) يفيد هذا المعنى ،
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( سِتر مابين أعين الجن وعورات بني آدم
قول : بسم الله ) .
الثالثة : أمر النبي صلى الله عليه وسلم عامراً بالإغتسال ، ويقول ابن القيم : ( إنَ
المغابن والأطراف ، هذه المواضع للأَرواح الشيطانية بها اختصاص ) .
بمعنى أَن الإِنسان له رائحة عرق مميزة ، فكل إِنسان لايشبه الآخر يعرف ذلك
الكلب ويعرف ذلك أَيضاً الشيطان الذي انطلقَ من العائن ، فحين يؤخذ عرقه أَو ريقه
ثم يغتسل به ، ويشرب منه إن كانت العين لها إيذاء بداخل البطن ، فيبتعد هذا
الشيطان لأَنَه مربوط بهذا الوصف الذي أَعجبه ، فدخول ُ هذا العرق من العائن داخل
جسد المعيون فكأنَ العائن تملكه وحينئذ ينفك عنه شيطانه .
الرابعة :[ صُبَ عليه من ورائه ] أَي مكان رؤية العائن ، ولأَنَ الشيطان المنطلقَ
على الوصف وهو شدة البياض – وهو عام في الجسم – فَكُبَ على رأسه حتى يعم
جسده موضع العين ، فلو أن معيوناً بسبب كثرة أَكله مثلاً ثم أَصابه أَلمٌ في بطنه
فلابد أَن يصل هذا السبب ( الريق أَو العرق ) إِلى داخل بطنه لأَنه موضع العين ،
وهكذا ولايشترط الإغتسال .
فائدة : ثبت علمياً أن الريق والعرق والشعر والظفر والدم ، ترسل ذبذبة خاصة
من جسم صاحبها حتى ولو انفصلت عنه ، ولهذا يستخدم الساحر الظفروالشعر
في عملية السحر لاستخدام هذه الذبذبة عن طريق الجن في الإضرار بالمسحور.
الخامسة : ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم صدر سهل وقوله : ( اللهم أذهب عنه
حرَها وبردها ووصبها ) وهذا دليل قاطع على أن العين يتبعها شيطان فيتلبس
المعيون جزئياً فتحصل له الضيقة في الصدر – بسبب ضغط هذا الشيطان – الذي
من علامات تلبسه كما في الحديث حرارة الظهر وبرودة الأطراف وتعب في
الجسم كله بالإضافة إلى تلك الضيقة المتمثلة في كثرة التجشأ والتثاؤب وشدة
الإنفعال .
السادسة : إذا لم يتهم أحداً معيناً فحينئذ يشرع في القراءة عليه ، وقبل القراءة
لابد أَن ينبه المريض إِلى : أمور تلزم المرقي عليه قبل الرقية
من كتاب :كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية
للشيخ : عبدالله بن محمد السدحان