وقد أطل علينا هذه الأيام شهر كريم وموسمٌ عظيم ، فيه يتنافس
المتنافسون أصحاب الهمم العالية ،والمطالب الرفيعة السامية .
موسم التجارة مع الله والثمن هو الجنة جعلني الله وإياكم من أهلها .
رمضان بداية انطلاقة كيف يكون ذلك ؟
تعالوا معنا أيها الأحبة ومع شيخنا الفاضل الدكتور : عبدالملك القاسم حفظه الله
لنقف وإياه وقفات مع هذا الشهر الكريم ونشكره على تفضله
بالإجابة على محاورنا نسأل الله تعالى أن يجزيه عنا خير الجزاء
ويجعل هذا العمل في ميزان حسناته
وبدايةً نقول :
قبل سنوات مرض قريب لنا كبير في السن وزرته قبل رمضان بأسبوعين واخبرني فرحاً وأعاد وكرر على مسامعي أن الطبيب أجل العملية التي سوف تجرى له إلى ما بعد رمضان، وكان فرحاً بذلك وقال: ادرك الشهر مع المسلمين، ولما أكرمه الله عز وجل وصام شهر رمضان بدأ في صيام الست من شوال وزرته وفيه من الفرح ما الله به عليم، وقال: الآن يأتي الطبيب لإجراء العملية فقد صمت رمضان والست من شوال، وتم إجراء العملية وتوفى بعد انتهاءها مباشرة ـ رحمه الله ـ اكان يدرك أن هذا آخر رمضان فحرص عليه واغتنم أوقاته! أم أن هذا هو حال سائر المسلمين لا يعلمون مثله هل هو آخر رمضان في حياتهم!!
ولا زلت أذكر امرأة معلمة قالت لقريباتنا قبل سنوات طويلة وكان ذلك العام يصادف عطلة في رمضان قالت لهم: هذا رمضان العبادة … نتفرغ فيه من التدريس إلى قراءة القرآن والصلاة فأدركها مرض عاجل لم يمهلها إلا أسابيع فلم تدرك شهر العبادة ولم تتفرغ له!
إنها عبر تمر بنا وأحداث ننساها.. ولعلي شخصياً نسيتها حتى أعادتني هذه الأسئلة إلى تلك الأحداث الهامة التي تحي القلوب وتحث العزائم في حياة المسلم.
كيف يكون رمضان بداية انطلاقة لجميع أفراد الأسرة ( أم / أب / فتاة / شاب ) ؟
مما يعين الأخ المسلم على جعل رمضان بداية انطلاقة وتميز في حياة المسلم:
السعي لإصلاح قلبه مما لحقه من فساد، ودواؤه في خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر، وخلو البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين.
يصاحب ذلك اغلاق نوافذ الشر في منزله من قنوات فاسدة ومجلات هابطة. فليس بهذا يستقبل الشهر وليس بهذا ترجو رحمة ربك ومغفرتك وهذا الشهر فرصة لتتخلص من العادات السيئة والمحرمة كالغيبة والنميمة والشتم والسب، واجعله شهر تميز، فتقرب فيه إلى ربك ومولاك ـ سبحانه وتعالى ـ حتى يقربك ويدنيك.
واحمد الله على نعمة الحياة وإدراك هذه الأيام الفاضلة، فقد لا يعود لك رمضان القادم، فإنما حياتك أنفاس وإن اهمك الأمر وسرعة الأيام. فاعتزل مجالس الناس إلا ما كان ضرورياً، واهجر الاستراحات وأماكن اللهو وإضاعة الأوقات فهذه فرصة لا تعود.
والزم الإخبات والتذلل والتضرع لربك، واره ضعفك وارفع إليه شكواك وحاجتك؛ فأنت محتاج إليه في كل لحظة وطرفة عين.
واستشعر الأجر والمثوبة واحمد الله أن من عليك بإدراك هذا الموسم ا لعظيم، ومن شكر النعمة القيام بحقها.
وقلب نفسك في أنواع العبادات والطاعات لتنال أجرها وتقوى همتك ويزداد نشاطك، فنوع بين الطاعات من صلاة وقراءة وقرآن وتسبيح وتحميد وصلاة على جنازة ودعوة وهكذا.. فإن التنوع مدعاة إلى النشاط وطرد السأم.
وليكن شعارك: ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ [الزلزلة:7ـ8].
رمضان جزء من شهور السنة وأيامها وهو جزء من مراحل حياتنا في هذه الدنيا وهي فرصة لو نظرنا في أعمارنا لوجدنا قليلة جداً، من عاش في هذه الدنيا وتقلب في أيامها ورحمه الله ومد في عمره وسلم من الأسقام والأمراض وفجأة الموت وبغتته فإن هذه الفرص لا تمر على الإنسان الذي استوى عوده وبلغ السبعين أو الستين إلا أربعين مرة أو أقل، إذا سلمنا بفترات الطفولة وعدم النضج في استثمار الفرص واستغلال مواسم العبادة .. إنها فرصة قليلة الانقضاء وسريعة المرور!
واذكر أن الوالد ـ رحمه الله ـ كان إذا دخل رمضان ترك ما بين يديه من المؤلفات والكتب وجميع الأعمال وتفرغ للطاعة والعبادة وجعل شهر رمضان كاملاً في مكة. قطع العلائق والمصالح وتفرغ شهراً في العام وما أسرع مروره وانقضاءه.
رمضان شاهدٌ لك أوعليك كيف نستغل دقائقه حتى نفوز به ولا نخسره بارك الله فيك ؟
[center]أخص اختى المسلمة بأمور لا تغيب عن بالها فهي الأم والزوجة والابنة.
من نعم الله عليك أن مدَّ في عمرك وجعلك تُدركين هذا الشهر العظيم، فكم غيَّب الموت من صاحب، ووارى الثرى من حبيب.. فإن طول العمل والبقاء على قيد الحياة فرصة لتزود من الطاعات والتقرب إلى الله ـ عز وجل ـ بالعمل الصالح.
واجعلي لك نصيباً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اغتنم شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل مرضك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)).. واحرصي أن تكوني من خيار الناس كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فعن أبي بكرة ـرضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال صلى الله عليه وسلم : (( من طال عمره وحسن عمله)). قال: فأي الناس شر؟ قال صلى الله عليه وسلم : ((من طال عمره وساء علمه)) [رواه مسلم].
ومما يعين على ذلك أن تعودي نفسك على ذكر الله في كل حين وعلى كل حال، وليكن لسانك رطباً من ذكر الله ـ عز وجل ـ، وحافظي على الأدعية المعروفة والأوراد الشرعية قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً *وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾[الأحزاب 41 :42].. وقال تعالى: ﴿وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ﴾[الأحزاب:35].
قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: (( كان رسول الله يذكر الله في كل أحياته))[رواه مسلم]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( سبق المفردون)).. قالوا وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات))[رواه مسلم].
وللقرآن شأن عظيم في رمضان فاحرصي على قراءة القرآن الكريم كل يوم، ولو رتبت لنفسك جدولاً تقرأين فيه بعد كل صلاة جزءاً من القرآن لا تممت في البوم والواحد خمسة أجزاء وهذا فضل من الله عظيم، والبعض يظهر عليه الجد والحماس في أول الشهر ثم يفتر، وربما يمر عليه اليوم واليومين بعد ذلك وهو لم يقرأ من القرآن شيئاً. وقد ورد في فضل القرآن ما تقرُّبه النفوس وتهنأ به القلوب فعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن أقول ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))[رواه الترمذي]، وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن ا لذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب))[ رواه الترمذي].
وعن أبي أمامة الباهلي ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه))[رواه مسلم].
واحذري مجالس الفارغات، واحفظي لسانك من الغيبة النميمة وفاحش القول، واحبسيه عن كل ما يغضب الله، وألزمي نفسك الكلام الطيب الجميل، وليكن لسانك رطباً بذكر الله. ولأختي المسلمة بشارة هذا العام. فنحن في عطلة دراسية وهي فرصة للتزود من الطاعة التفرغ للعبادة.. وقد لا تتكرر الفرصة .. بل وقد تموتين قبل أن تعود الفرص.. واعلمي أن كل يوم يعيشه المؤمن هو غنيمة .. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رجلان من بلى من قضاعه أسلما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد أحدهما وأخر الآخر سنة فقال طلحة بن عبيد الله: فرأيت المؤخر منهما أدخل الجنة قبل الشهيد، فتعجبت لذلك، فأصبحت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أو ذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (( أليس قد صام بعده رمضان، وصلى ستة آلاف ركعة، وكذا ركعة صلاة سنة ))[رواه أحمد].
أختي المسلمة:
منزلك هو مناط توجيهك والأول فاحرصي أولاً على أخذ نفسك وتربيتها على الخير، ثم احرصي على من حولك من زوج وأخ وأخت وأبناء بتذكيرهم بعظم هذا الشهر وحثهم عل المحافظة على الصلاة وكثرة قراءة القرآن، وكوني آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر في منزلك بالقول الطيب، والكلمة الصادقة، وأتبعي ذلك كله الدعاء لهم بالهداية. وهذا الشهر فرصة لمراجعة ومناصحة المقصرين والمفرطين فلعل الله ـ عزوجل ـ أن يهدي من حولك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من دل على خير فله مثل أجر فاعله))[رواه مسلم].
احذري الأسواق فإنها أماكن الفتن والصد عن ذكر الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها))[رواه مسلم].
ولا يكن هذا الشهر وغيره سواء، واحذري أن تلحقك الذنوب في هذا الشهر العظيم بسبب رغبة شراء فستان أو حذاء فاتقي اله في نفسك وفي شباب المسلمين، وما يضيرك لو تركت الذهاب على الأسواق في هذا الشهر الكريم، وتقربت إلى لله ـ عزوجل ـ بهذا الترك، قال عبد الله بن مسعود: ما قَرُبَتِ امرأة إلى الله بأعظم من قعودها في بيتها.
شهر رمضان فرصة مناسبة لمراجعة النفس ومحاسبتها وملاحظة تقصيرها فإن في ذلك خيراً كثيراً. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنما الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني))[رواه الترمذي].
وكان الحسن يقول: رحم الله رجلاً لم يغره كثرة ما يرى من الناس.. ابن آدم… إنك تموت وحدك، وتدخل القبر وحدك، وتبعث وحدك، وتحاسب وحدك.
وقال ابن عنون: لا تثق بكثرة العلم فإنك لا تدري أيقبل منك أم لا؟ ولا تأمن ذنوبك فإنك لا تدري أكفر علنك أم لا؟ إن عملك مغيب عنك كله.
أيتها المسلمة التوبة: كلمة نرددها ونسمعها ولكنَّ قليلاً من النساء من تطبقها… حتى أنه ـ والعياذ بالله ـ قد استمرأت بعض النفوس المنكر فترى البعض يُقدمُ على فعل المحرمات المنهي عنها بلا مبالاة مثل سماع الموسيقى والمعارف… وكذلك رؤية الرجال على الشاشات وإضاعة الأوقات فيما هو محرم.. فحري بالمسلمة أن تكون ذات توبة صادقة، قارنة القول بالفعل. قال الله تعالى حاثاً على التوبة ولزوم الأوبة: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[النور:31]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾[البقرة:222] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)) [رواه الترمذي، الحاكم].
أدعو الله ـ عز وجل ـ بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يعيد هذا الشهر علينا أجمعين في خير وعافية وأن لا يكون هذا آخر رمضان نصومه.
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وتجاوز عن تقصيرنا واغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا إنك أنت الغفور الرحيم.. ربنا وهب لنا من ذرياتنا وأزوجنا قرة أعين، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إسهاب جميل وغني بالمعاني
تحياتي
شكر الله لك الفاضل : فؤاد سندي
وتقبل الله منا ومنك صالح الأعمال