لعق الأصابع

ما أجمل أن نتلمس هدى المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فيضيء لنا طريقنا في هذه الدنيا التي ما نحن فيها سوى عابري سبيل .

فنحيي سنته ونعلمها أبناءنا ، فينشئوا عليها ، ويتوارثونها حتى لا تندثر أو تكون طي النسيان .

ومن الآداب ، أدب جليل وسنة محمدية فريدة ، قلما نجد من يطبقها أو يذكر فيها .

عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  كان إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث قال : وقال ” إذا سقطت لقمة أحدكم ، فليمط عنها الأذى ، وليأكلها ، ولا يدعها للشيطان” .

وأمر أن تسلت القصفة قال : ” فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة” رواه مسلم .(

– وفي رواية أخرى للحديث يرويها جابر بن عبدالله رضي الله عنهما عن
النبي
صلى الله عليه وسلم  : (إذا سقطت لقمة أحدكم ، فليأخذها فليحط ما كان بها من أذى ، وليأكلها ولا يدعهما للشيطان ، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه ، فإنه لا يدري في أي طعامه البركة) رواه مسلم .

وقد أورد الحافظ النووي – رحمه الله – هذين الحديثين في بابين مختلفين من كتابه (رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين) .

الأول في باب (المحافظة على السنة وآدابها) وهو حديث أنس والثاني في باب (التواضع وخفض الجناح للمؤمنين) وهو حديث جابر .

وفي حديث أنس الذي نحن بصدده جملة من آداب الأكل والتي منها :

1- إن الإنسان إذا سقطت لقمته على الأرض فإنه لا يدعها ، لأن الشيطان يحضر للإنسان في جميع شئونه من أكل وشرب ، وجماع ، فإذا لم تسم الله عند الأكل شاركك في الأكل ، وصار يأكل معك ، ولهذا تنزع البركة من الطعام إذا لم يسم عليه ، وإذا سميت الله على الطعام ، ثم سقطت اللقمة ، يعني طاحت من يدك فإن الشيطان يأخذها ، ولكن لا يأخذها ونحن ننظر ، لأن هذا شيء غيبي لا نشاهده ولكننا علمناه بخبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام يأخذها الشيطان فيأكلها ، وإن بقيت أمامنا حساً ، لكنه يأكلها غيباً ، هذه من الأمور الغيبية التي يجب أن نصدق بها .

لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم  دلنا على الخير فقال : (فليأخذها وليمط ما بها من أذى وليأكلها ، ولا يدعها للشيطان) أي خذها وامط ما بها من أذى من تراب أو عيدان ، أو غير ذلك ثم كلها ولا تدعها للشيطان . ويكون الإنسان بفعله هذا قد حصل ثلاثة فوائد :

الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم .

التواضع لله عز وجل .

حرمان الشيطان من أكلها .

2- أمره صلى الله عليه وسلم باسلات الصحن أو القصفة ، وهو الإناء الذي فيه الطعام ، فإذا انتهيت فاسلته ، بمعنى أن تتبع ما علق فيه من طعام بأصابعك وتلعقها .

قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين – رحمه الله- : (هذا من السنة التي غفل عنها كثير من الناس مع الأسف حتى من طلبة العلم أيضاً ، إذا فرغوا من الأكل وجدت الجهة التي تليهم مازال الأكل باقياً فيها ، لا يلعقون الصحفة وهذا خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم بين عليه الصلاة والسلام الحكمة من ذلك فقال : (فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة) ، قد تكون البركة من هذا الطعام في هذا الذي سلته من القصعة ) .

3- ولعلنا نستخلصه من حديث جابر رضي الله عنه ، وهو مكمل للأدبين السابقين ألا وهو : لعق الأصابع قبل مسحها بالمنديل .

قال فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله- : ( قال الأطباء : إن في لعق الأصابع من بعد الطعام فائدة وهو تيسير الهضم ، لأن هذه الأنامل فيها مادة تفرزها عند اللعق بعد الطعام تيسر الهضم ، ونحن نقول هذا من باب معرفة حكمة الشرع فيما أمر به ، وإلا فالأصل أننا نلعقها امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وكثير من الناس لا يفهمون هذه السنة ، تجده ينتهي من الطعام وحافته التي حوله كلها طعام ، تجده أيضاً يذهب ويغسل دون أن يلعق أصابعه ، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمسح الإنسان يده بالمنديل حتى يلعق وينظفها من الطعام ثم بعد ذلك يمسح بالمنديل ، ثم بعد ذلك يغسلها إذا شاء فيكون في لعق الأصابع فائدتين :

الأولى : فائدة شرعية :

وهي الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .

الثانية : فائدة صحية طبية : وهي هذا الإفراز الذي يكون بعد الطعام يعين على الهضم .

والمؤمن لا يجعل همه فيما يتعلق بالصحة البدنية ، أهم شيء عند المؤمن هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء به ، لأن فيه صحة القلب ، وكلما كان الإنسان للرسول r اتبع كان إيمانه أقوى .

وفي هذا الحديث حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكره فضيلة الشيخ وأنه إذا ذكر الحكم ذكر الحكمة منه ، لأن ذكر الحكمة مقروناً بالحكم يفيد فائدتين عظيمتين :

1 بيان سمو الشريعة ، وأنها شريفة مبنية على المصالح ، فما من شيء أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم إلا والمصلحة في وجوده ، وما من شيء نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا والمصلحة في عدمه .

2- زيادة اطمئنان النفس ، لأن الإنسان بشر قد يكون عنده إيمان وتسليم بما حكم الله به ورسوله ، لكن إذا ذكرت الحكمة ازداد إيماناً وازداد يقيناً ونشط على فعل المأمور أو ترك المحظور .



4 ردود على “لعق الأصابع”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *