التجاوز إلى المحتوى
الوضوء للصلاة ، فرضه الله تعالى على هيئة يسيرة ، فالمرء المسلم يطهر في وضوئه أربعة
مواضع من أعضائه فقط ، وهي الوجه واليدان إلى المرفقين غسلاً ، والرأس مسحاً بلا غسل ،
والرجلان إلى الكعبين غسلاً .
ففي الوجه ، النظر والشم والكلام ، وفي الرأس السمع والفكر ، وفي اليدين البطش ، وفي
الرجلين الخطى .
ولما كان عمل المرء في هذه الحياة ، لايكاد يخرج عن عضو من هذه الأعضاء ، ولما كان
المرء بطبعه خطاءً ، فقد يأكل الحرام أو يتكلم به ، أو ينظر إليه أو يشمُه ، وقد يسمع الحرام
أو يمشي إليه أو يمسك بالحرام أو نحو ذلك . كان بحاجة ماسة ، إلى مايعينه ، على تطهير
أدرانه ، وتكفير ذنوبه التي اقترفها بتلك الجوارح ، فشرع برحمته وحكمته الوضوء ، يُزيل به
الإصر والغل .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا توضأ العبد
المسلم ، أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء ، أو مع
آخر قطر الماء ، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء ، أو مع
آخر قطر الماء ، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر
الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب ) رواه مسلم
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( هذا الوضوء تطهر فيه هذه الأعضاء
الأربعة ؛ الوجه ، واليدان ، والرأس ، والرجلان ، وهذا التطهير يكون تطهير حسياً ، ويكون
تطهيراً معنوياً . أما كونه تطهيراً حسياً فظاهر ، لأن الإنسان يغسل وجهه ، ويديه ورجليه ،
ويمسح الرأس ، فإذا تطهر الإنسان لاشك أنه يطهر أعضاء الوضوء تطهيراً حسياً ، وهو يدل
على كمال الإسلام ، حيث فرض على معتنقيه أن يطهروا هذه الأعضاء التي هي غالباً ظاهرة
بارزة .
أما الطهارة المعنوية وهي التي ينبغي أن يقصدها المسلم ، فهي تطهيره من الذنوب ، فإذا
غسل وجهه ، خرجت كل خطايا نظر إليها بعينيه . وذكر العين والله أعلم إنما هو على سبيل
التمثيل ، وإلا فالأنف قد يخطئ ؛ والفم قد يخطئ ؛ فقد يتكلم الإنسان بكلام حرام ؛ وقد يشم
أشياء ليس له حق أن يشمها ، ولكن ذكر العين ، لأن أكثر مايكون الخطأ في النظر .
فلذلك إذا غسل الإنسان وجهه بالوضوء خرجت خطايا عينيه ، فإذا غسل يديه خرجت خطايا
يديه ، فإذا غسل رجليه خرجت خطايا رجليه ، حتى يكون نقياً من الذنوب . ولهذا قال الله تعالى
حين ذكر الوضوء والغسل والتيمم : ( مايريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم )
يعني ظاهراً وباطناً ، حساً ومعنى : ( وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ) المائدة – 6 فينبغي
للإنسان إذا توضأ أن يستشعر بهذا المعنى ، أي أن وضوءه يكون تكفيراً لخطيئاته ، حتى يكون
بهذا الوضوء محتسباً الأجر على الله عز وجل ).