دعوة للتأليف

هي دعوةٌ أطلقها هنا  لكم أنتم

فأقول مُستعينةً بالله :

هل زُرتَ معرض الكتاب لهذا العام ؟

هل أبهرك هذا الزخم الهائِل من المعلومات والمعارف التي

امتلئت بها بطون الكتب ، وتلك الأيدي التي باتت تقلبُها

وتقتنيها مباشرة .

ألم تُحدثك نفسك في تلك اللحظة عن الحظوظ التي نالت أصحاب

هذه المؤلفات فجعلت من كتبهم مقصداً للناس جميعاً ، ومن أسمائِهم

قائمة يُفتشُ عنها بين ردهاتِ ودهاليز المعرض .

ألم تحدثك نفسك عن التأليف ؟

قرأنا ونقرأُ من الكتب الكثير ، ولدى البعض من العلم والمعرفة

وجودة الأسلوب والتعبير ما يستطيع من خلاله التأليف ، فما الذي

يمنعُ من ذلك ؟

ولتسليط الضوء أكثر على هذه الأطروحة كنتُ سألتُ الدكتور عبدالملك القاسم ( الداعية الإسلامي المعروف ) عن التأليف ،

والدكتور معروفٌ بمؤلفاته التي تنُم عن عقل وفكر فريد ، ورؤية

ثاقبة ،وحكمة ورأي سديد .

ولعل دار القاسم أكبر شاهد على هذه الكتب والمطويات والرسائل

التي نفع الله بها فبلغت ما بلغت وانتشرت في أصقاع المعمورة .

فكانت إجابته كالآتي :

1- متى يصل الكاتب لمرحلة تأليف كتاب لاسيما وأن بعض العلماء لم يبدأ التأليف إلا بعد سن الأربعين؟
يصل الكاتب لمرحلة التأليف متى وجد الرغبة وأنس الكفاية وملك أدواتها وليس العمر مقياسًا لذلك فقد ألف الشيخ السعدي تفسيره دون الأربعين وكذلك الإمام النووي وغيرهما من كبار العلماء.
2- ما هي المراحل التي يتبعها من أراد التأليف؟
تحديد الموضوع والبحث الجاد في مادته ثم تأليف ما أراد من بين النصوص التي جمع، وإن كانت مادت تعتمد على الإنشاء كالقصص والروايات فيجعل فهرسًا أو علامات ومنارات للكتابة كفصول للكتاب؛ ليسير عليها وبهذا يسهل له الوصول دون تعثر.
3- ما هي المعوقات التي تواجهه؟
لابد من معوقات في طرق الحياة لكنها لا توقف ـ بإذن الله ـ من أراد الاستمرار.
4- هل التقنية الحديث سهلت على الكاتب التأليف؟
نعم سهلت وقربت البعيد.
5- هل يُعد اختيار العنوان للمؤلَّف أمرًا صعبًا؟
أحيانًا قد يواجه صعوبة وقد يضع عنوانًا وليس براضٍ عنه تمام الرضا لكنه ما تيسر.
6- ما الفرق بين تأليف كتاب وبين الرسائل الجامعية؟
الرسائل الجامعية لها ضوابط أكاديمية ومنهجية معروفة، أما تأليف الكتاب فقد لا يلتزم الكاتب بكل تلك الضوابط.
7- ما نصيحتك لمن يملك القدرة على التأليف لكنه لم يبدأ بذلك إما تكاسلاً أو عدم ثقة بنفسه وأنه لم يحن الوقت بعد؟
إذا علم أنه يتعبد لله ـ عز وجل ـ بذلك وأن في ذلك خدمة للدين عندها تكون الهمة عالية والنفس طويل في ذلك، وهذا هو الأصل في كل عمل المسلم نية واحتساب وعمل.


تحسن في لحظة

لا ينبغي أن تهزمك الحياة

هناك سرلتحسين مزاجك في لحظة واحدة

تنفس ببطء وبعمق ، ثم تنهد

اسحب نفساً عميقاً واستشعره في رئتيك

احبسه بضع ثوان

أطلقه مع تنهيدة بطيئة طويلة تتسم بالإرتياح

ومع تحرير الأكسجين من رئتيك سوف يتحرر ذهنك من المزاج المتوتر

مدونتك شاهدة لك أو عليك

أشفق عليهم كثيراً

يكتبون ولا يعلمون أي شيء يكتبونه؟

المهم أنه شيء يملئ بياض مدونة أجزم

لو نطقت أنها ستُعاتبُهم وتغضبُ مما دونُوه

أيها المدونون :

اعلموا أنكم ستحاسبون على كل حرف كتبتموه

في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها

اجعلوا لكم هدفاً من التدوين

اجعلوا من المدونة باب خير تدخرونه لأخراكم

انشر الخير اكتب فائدة تنفع بها من حولك

أو تساعد فيها غيرك

اعلم أنك قد تصل الجنة بحرف كتبته

وقد تهوي بك كلمة إلى النار والعياذ بالله

مدونتك شاهدة لك أو عليك

فاختر أيهما شئت

ليتنا نستطيع

ليتنا نستطيع أن نمسح أثر بعض الكلمات بعد خروجها

ولنتذكر هذه المقولة دائماً :

انا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت


أيها الأمل مــــــا أوسعك

وقف أمامي، طفلٌ لم يتجاوز عمره السابعة، نحيل الجسم، رث الهيئة، مكسور الخاطر حدَّ التحطم!!

التقت نظراتنا للحظة، ثم قَبِلتُ وجوده في منزلي، فهو أخٌ لزوجي، توفي والده وهجرته أمه، فتنازعته أيدي الشقاء وهو بين زوجات أبيه وإخوانه، فالتقطته يد زوجي بعد أن وجده جائعاً، منطوياً أمام إحدى الحدائق العامة!

لم يكن عمري يتجاوز الخمسة عشر عاماً حين أدخلته الحمام وغيّرتُ ملابسه بعد أن أخذ مني جهداً في التنظيف من وعثاء التشرد!

ولم أستطع قط نسيان ابتسامته حين رأى نفسه نظيفاً لأول مرة.. قدمت له الطعام فالتهمه وهو يرمقني بنظرة الامتنان!

دخل المدرسة وتابعتُ دراسته حتى بعد أن أنجبتُ أبنائي، وحين وصل لنهاية المرحلة المتوسطة توفي زوجي ليتركني مع أبنائي الثلاثة وأخيه (ابني الأكبر طارق).. فوجدت نفسي لأول مرة بمواجهة الترمل والفقر والحيرة، وأنا لم أبلغ الثالثة والعشرين من عمري.. ولإجادتي الحياكة أصبحت هي مورد الرزق الوحيد لإعالة أبنائي الأربعة.

كان (طارق) يذهب برفقتي للسوق لشراء الأقمشة، كما كان يقوم بإيصال الملابس بعد حياكتها للزبائن والمحلات التي تبيعها، وتأخذ نصيبها وتسلمه نصيبي.. وكان يشاركنا المنزل برغم حجابي المحكم، حيث يتخذ من ملحق المنزل مسكناً.. ويقاسمني المسؤولية ويساعدني في تحمُّل رعاية الأبناء ويقوم بتدريسهم ومتابعتهم.. ولم يتبرم قط من طعامٍ أو لباسٍ أو معيشة.

ولم تكن الإجازة راحةً واستجماماً، بل كان يستثمر وقتها بعملٍ شاق عدا عمله المسائي أثناء الدراسة، فهو يحلم بشراء سيارة للتنقل ولتوصيل أبنائي لمدارسهم، فهو عمهم الذي ما فتئ يشعر بالمسؤولية والأمانة تجاههم، والإحساس بالجميل لم يبرح مخيلته قط.

وها هو يتخرج في الجامعة مهندساً ويُحضِرُ لي شهادته مؤطرة بكرم أخلاقه وشهامته التي لم تنفد، ولم تتبدد وسط أمواج عاتية من مآسي الحياة وإغراءاتها.

وحين بلغ طارق من العمر ثلاثاً وعشرين سنة، فارع الطول، وسيماً شهماً كريماً بسيطاً، كانت كل فتاة تتمنى الاقتران به.. وكنت أتساءل حينها كلما رأيتُ فتاة: ترى هل ستملأ عين طارق؟ وهل ستستطيع تحقيق آماله وطموحاته؟ أخشى أن تجرحه بكلمة أو تخدش مشاعره بتصرفٍ أحمق!

في ليلة عجيبة كأني سمعتُ دوي انفجارٍ عنيف، وأنا أستمع لأخي يطلق تساؤلاً أعجب: (طارق تقدم خاطباً لك، فهل توافقين يا نوال)؟!

يا إلهي.. هل أتزوج ابني؟! إن طارقاً بالفعل ابني! كيف لامرأة أن تتزوج ابنها؟! وكان عمري إحدى وثلاثين سنة وولدي الأكبر على مشارف الثانوية!

رفضتُ وبكيت، ولكنه لم يملْ ولم ييأسْ! حيث وسَّط كل معارفه وأقاربه واستنجد بأبنائي.. بل إنه خاطَب حتى الجمادات، فلا تعجب حين تراه يُكلِّم جداراً أو حجراً ليقول له: أرجوك أن تقنع نوال بالزواج مني، وأعدها أن أسعدها كما أسعدتني!

تقول نوال: وتزوجته وأنا في كامل خجلي، ولم أستطع أن أنظر إلى وجهه، وأنا أتذكر تلك النظرة الوحيدة حين استقبلته وهو صغير وكان في حالة بؤس وشقاء! وهو اليوم أمامي بكامل هيئته وهندامه، وهيبته! ولأول مرة أنظر له ملياً لألمح في عينيه نظرة الحب والامتنان!!

فأي مكافأة يا ربِ تمنحني إياها بعد رحلة الفقر والترمل والشقاء! وأي عملٍ جميل فعلته لتجزيني – ربي – بهذا الجزاء؟! فإن كنتُ قد عشتُ ثلاثين سنة شقاء، فإنني وأنا الآن في الخمسين قد نسيتها تماماً، وأتذكر أنني عشتُ مع طارق ثمانية عشر عاماً ثرية بالعطاء والسعادة.. وها هو فهد ابننا الأكبر يستعدُ لاجتياز امتحان القدرات.. وأنا وأبوه نعيش لحظات ترقُّب ووجل!

حين التفت أبوه نحوي والتقت نظراتنا تذكرنا لحظات الترقب والهلع خوفاً من أن ترد بضاعتنا من الخياطة التي كنا نقتات منها وتحفظ كرامتنا عن سؤال الآخرين.

ولا أحسبك متعجباً من رحمة ربي وزوجي يحتضنني ويربتُ على كتفي ويداعب شعري ويمسح دمعتي ويعدني بأن فهداً سيجتاز امتحان القدرات بامتياز ويدخل الجامعة، ويصبح مهندساً كوالده!

حينها غرقتُ بالبكاء لأتنهد بتفاؤلٍ وأقول: أيها الأمل… ما أوسعك!!

رقية الهويريني